روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | الثورة الكوبرنيكية.. في التربية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > الثورة الكوبرنيكية.. في التربية


  الثورة الكوبرنيكية.. في التربية
     عدد مرات المشاهدة: 6039        عدد مرات الإرسال: 1

 يرى كلاباريد صاحب مقولة الثورة الكوبرنيكية في التربية أن التغير الانقلابي المذهل الذي أحدثته النظريات الحديثة في التربية.

يشبه التحول الثوري في علم الفلك الذي حدث مع اكتشاف كوبرنيكوس* لمركزية الشمس حيث تبين نظرية كوبرنيكوس بوضوح أن الأرض هي:

التي تدور حول الشمس وليست الشمس هي التي تدور حول الأرض كما كان سائدا في علم الفلك القديم عند أرسطو وأقليدس.

كان التلميذ في التربية التقليدية يدور حول المنهج، فجاءت التربية الحديثة لتحدث انقلابا بدأت فيه المناهج وعلى خلاف ما هو معهود تدور حول التلميذ، وأصبح الطفل هو محول المجموعة التربوية بعد أن كان يدور في هامشها.

وهذا يعني كما يرى جون ديوي أن الطفل هو نقطة البداية وهو المركز كما أنه الهدف في العملية التربوية في التربية الحديثة.

إن الثورة التربوية هذه استطاعت أن تؤدي إلى انقلاب حقيقي في المعايير والعلاقات التربوية السائدة.

فالتربية ليست رهن بالمعارف العلمية لعلم نفس الطفل فحسب بل هي رهان موقف جديد من الطفل يرتكز على فهم الطفل وحبه (كما فعل بستالوتزي).

وعلى احترام الطفل وتحقيق حاجاته والصبر عليه، إنه الموقف الذي يؤكد على قبول الطفل كما هو عليه.

وقبول الطفولة كقيمة إنسانية أو مرحلة ضرورية في عملية نمو الطفل وازدهاره.

وفوق ذلك فإن التربية الحديثة هذه تؤكد أهمية التسامح وقبول أخطاء الطفل وإخفاقاته واندفاعاته على مبدأ الإيمان الراسخ بأن الطفل هو طفل مهما يصدر منه ومهما يكن من أفعاله.

وعلى مبدأ الاعتقاد بأن الطفل بقدر ما يكون طفلا كاملا يستطيع أن يكون في المستقبل رجلا كاملا.

وهنا يجب التأكد أيضًا على أن الطفل يجب أن يعيش السعادة وفي أجواء الإحساس بالبهجة والحرية.

ويجب أن يكون سعيدًا حتى ولو كان ذلك على حساب الأهداف التربوية التي نسعى إليها، وأن معمتنا كراشدين وكمربين هي أن نبقى الطفل قدر الإمكان وبقدر ما نستطيع في حالة الطفولة والبراءة التي تزدهر في مرحلة الطفولة.

ويجب علينا نحن أيضا أن ننعم ببراءة هؤلاء الأطفال ونتشبع بعطائاتها.

وذلك بدلا من العمل على تشكيل الأطفال من خلال نظرتنا للكون والحياة.

يجب هنا أن نؤمن بان الطفل يمتلك في ذاته كل شروط التربية الحقيقية ولاسيما هذا النشاط العارم الذي لا يتوقف أبدا وهو الذي يشكل فعالية تربية حقّة تؤكد ونضجة وتقدمه أيضا.

وهذا يعني أن مساعدتنا للفل ليست ضرورية بل توجيههنا له هو الضروري في العملية التربية برمتها.

وهذا يعني أنه يجب على المربي أن ينطلق من الصورة الحقيقية بين إمكانيات الطفل وبواعث حركته واندفاعاته وبين المهمات المدرسية التي توكل إليه.

وفي هذا الصدد يؤكد كوزينيه بأن حاجات الطفل تحد مسار حياته، ففي إطار التربية التقليدية نجد تحديدًا ضيقا مفتعلًا للوسط التربوي.

وهذا الوسط يفرض على الطفل أن يحقق تكيفه وفقا لعناصره. وعلى خلاف ذلك فإن التربية الحديثة تنطلق من حاجات الطفل وميوله واهتماماته بوصفها العناصر الأساسية لبيئة الطفل.

ومن ثم تعمل على تنظيم هذه البيئة لتحقق إشباعا متوازنا لمختلف عناصر هذه البيئة وهذا يعني أن التربية الحديثة تكيف البيئة لحاجات الطفل على خلاف ما يحدث في التربية التقليدية.

ومع أهمية ما يطرح حول قضية الحاجات ومفهوم الحاجات المركزية عند الطفل يجب على المرء أن يتساءل عن إمكانية إخضاع هذه المفاهيم.

وهذه التصورات للرؤية النقدية، ألا يمكن لنا على سبيل المثال أن نخلط بين الحاجات الثقافية والحاجات الطبيعية عند الطفل؟ ألا يمكن لهذه التربية أن تقود إلى تحويل التربية إلى نوع من الأفعال التي تهتدي بقوانين البيولوجيا.

وهنا يمكن لنا أن نبحث القيمة الكبرى التي تعطلي للطفولة مقابل هذه التي تعطي لمرحلة الرشد كما نرى عند كوزينية الذي يؤكد بأن الراشدين هم الذين يحققون مكاسب عندما يعطون للطفل الفرصة الأكبر في أن يكون طفلا وأن يبقى زمنا أكبر في مرحلة البراءة.

إن فعل المربي يجب ألا يمارس على الطفل بصورة مباشرة بل يجب أن يتجه نحو الوسط الذي يعيش فيه الطفل. فالمربي يعمل على تنظيم الوسط بطريقة يستطيع معها الطفل أن يعبر عن ذاته وأن يتعلم بطريقة نشطة وفعالة.

وذلك لأن المعرفة التي ترتبط بحاجات الطفل هي التي تسمح بإعادة تنظيم الوسط وربطه بإمكانيات جديدة لنمو الطفل وازدهاره. وينطلق هذا التنظيم من مبدأ احترام الطفل وعفويته،وهذا يعني أنه يجب تنظيم الوسط بطريقة تسمح للطفل بالتقدم بما يتوافق مع إمكانياته الخاصة.

والسؤال هنا هل يعني أن وظيفة المعلم قد انتهت ولم تعد هناك حاجة إليه؟ أو هل يعني ذلك أن هذه الوظائف قد تغيرت كليا.

وأصبحت من معطيات الوسط المدرسي ذاته؟ تلك هي القضية التي شغلت المفكر الفرنسي سيندر Synders في كتابه التربية التقدمية. لقد شكلت التربية التي فعّلها المربية ماريا مونتسوري تعد نموذجا من نماذج التربية الحديثة.

وفي هذه التربية تعلمنا منتسوري كيف تتحول سلطة العلم من التأثير المباشر على التلميذ إلى التأثير في معطيات الوسط الذي يحيط بالتلميذ.

وفي النهاية نقول بأن التربية الحديثة ترتبط بمبدأ الثورة الكوبرنيكية ولا سيما فيما يتعلق بمهماتها في داخل المدرسة وخارجها:

فبدلا من التركيز على أهمية المتطلبات المجردة والخارجية للمجتمع أو للمدرسة في عملية التربية يجري التركيز في التربية الحديثة على حاجات الأطفال واهتماماتهم من أجل بناء وسط تربوي يمكنهم من النجاح وتحقيق الازدهار والتكامل الداخلي لشخصياتهم.
 

-------
الحواشي:

نيكولاس كوبرنيكوس (1473 –1543): كان فلكيًا بولنديًا، وراهبا وعالمًا رياضيًا وفلكيًا وقانونيًا وطبيبًا وإداريًا ودبلوماسيًا وجنديًا. وكان أحد أعظم علماء عصره، صاغ إحدى أهم النظريات في التاريخ، مـُحدثًا بذلك ثورة في علم الفلك، وبالتالي في العلم المعاصر(كان الفلك بالنسبة له بمثابة الهواية). يعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرمًا يدور في فلكها، في كتابه "في ثورات الأجواء السماوية".
 
الكاتب: أ.د.علي أسعد وطفة

المصدر: موقع المستشار